1_ لا تتركن
مباشرة جسيم أمرك فيعودَ شأنك صغيراً، ولا تُلزِمنَّ نفسك مباشرة الصغير فيصير
الكبير ضائعاً. ص 104
2_ ابذل
لصديقك دمك، ومالك، ولمعرفتك رفدك _عطاءك_ ومحضرك _مشهدك_.
وللعامة بِشْرَك، وتحننك، ولعدوك عدلك وإنصافك، واضنن
بدينك وعرضك على كل أحد.
ص 131
3_ إذا سمعت
من صاحبك كلاماً، أو رأيت منه رأياً يعجبك_ فلا يعجبك أن تنتحله تزيناً به عند
الناس، واكتفِ من التزين بأن تجتني الصواب إذا سمعته، وتنسبه إلى صاحبه.
واعلم أن
انتحالك ذلك مسخطة لصاحبك، وأن فيه مع ذلك عاراً وسخفاً.
فإن بلغ بك
ذلك أن تشير برأي الرجل، وتتكلم بكلامه وهو يسمع جمعت مع الظلم قلة الحياء.
وهذا من سوء
الأدب الفاشي في الناس.
ومن تمام حسن الخلق والأدب في هذا الباب أن تسخو نفسُك
لأخيك بما انتحل من كلامك ورأيك، وتنسب إليه رأيه وكلامه، وتزينه مع ذلك ما استطعت .
ص 132
4_ لا يكوننَّ
من خلقك أن تبتدئ حديثاً ثم تقطعه وتقول: =سوف+ كأنك روَّأت فيه بعد ابتدائك إياه.
وليكن
تروِّيك فيه قبل التفوُّه به؛ فإن احتجان الحديث بعد افتتاحه سخف وغم. ص 132
5_ اخزن
عقلك وكلامك إلا عند إصابة الموضع؛ فإنه ليس في كل حين يحسن كل صواب، وإنما تمام
إصابة الرأي والقول بإصابة الموضع. ص 132
6_ ليعرف العلماء
حين تجالسهم أنك على أن تسمع أحرص منك على أن تقول. ص 132
7_ لا تخلطن
بالجد هزلاً، ولا بالهزل جداً؛ فإنك إن خلطت بالجد هزلاً هجَّنته، وإن خلطت بالهزل
جداً كدَّرته.
غيرَ أني قد
علمت موطناً واحداً إن قدرت أن تستقبل فيه الجد بالهزل أصبت الرأي، وظهرت على الأقران.
وذلك أن
يتورَّدك متورد بالسفه والغضب وسوء اللفظ تجيبه إجابة الهازل المداعب برحب من الذُّرع، وطلاقة
من الوجه، وثبات من المنطق. ص 133
8_ إذا رأيت
صاحبك مع عدوِّك فلا يغضبنك ذلك؛ فإنما هو أحد رجلين:
إن كان
رجلاً من إخوان الثقة فأنفع مواطنه لك أقربها من عدوك لشر يكفه عنك، أو لعورة يسترها منك، أو غائبة يطَّلع عليها لك، فأما صديقك فما أغناك أن يحضره ذو ثقتك.
وإن كان
رجلاً من غير خاصة إخوانك فبأي حق تقطعه عن الناس، وتكلفه ألا يصاحب ولا يجالس إلا
من تهوى. ص 133
9_ تحفظ في
مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب، وطب نفساً عن كثير مما يعرض لك فيه صواب
القول والرأي؛ مداراة ً؛ لئلا يظن أصحابك أن دأبك التطاول عليهم. ص 133_134
10_ إذا
أقبل عليك مقبل بودِّه فسرك ألا يدبر عنك_ فلا تنعم الإقبال عليه، والتفتح له؛ فإن
الإنسان طبع على ضرائب لؤم؛ فمن شأنه أن يرحل عمن لصق به، ويلصق بمن رحل عنه إلا
من حفظ بالأدب نفسه، وكابر طبعه؛ فتحفظ من هذا فيك وفي غيرك. ص 134.
11_ وإن آنست
من نفسك فضلاً فتحرَّج أن تذكره، أو تبديه، واعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يقرر لك
في قلوب الناس من العيب أكثر مما يقرر لك من الفضل.
واعلم أنك إن صبرت، ولم تعجل ظهر ذلك منك بالوجه
الجميل المعروف عند الناس.
ولا يَخْفَينَّ عليك أن حرص الرجل على إظهار ما عنده، وقلة
وقاره في ذلك _ باب من
أبواب البخل واللؤم، وأن خير الأعوان على ذلك _ السخاءُ والتكرم. ص 135
12_ إذا
رأيت رجلاً يحدث حديثاً قد علمته، أو يخبر خبراً قد سمعته _ فلا تشاركه فيه، ولا
تتعقبه عليه؛ حرصاً على أن يعلم الناس أنك قد علمته؛ فإن في ذلك خفةً، وشحَّاً، وسوء
أدب، وسخفاً. ص 136
13_ احفظ
قول الحكيم الذي قال: لتكن غايتك فيما بينك وبين عدوك العدل، وفيما بينك وبين
صديقك الرضاء. ص 136
14_ لا تعتذرن
إلا إلى من يحب أن يجد لك عذراً، ولا تستعينن إلا بمن يحب أن يُظْفِرك بحاجتك، ولا
تحدثن إلا من يرى حديثك مغنماً، ما لم يغلبك اضطرار. ص 140
15_ إذا
اعتذر إليك معتذر فتلَقّّهُ بوجه مشرق، وبشرٍ ولسانٍ طلق إلا أن يكون ممن قطيعته
غنيمة. ص 140
16_ إذا
غرست من المعروف غرساً، وأنفقت عليه نفقة فلا تضنَّن في تربية ما غرست واستنمائه، فتذهب
النفقة الأولى ضياعاً. ص 140
17_ إذا
كانت لك عند أحد صنيعة، أو كان لك عليه طَوْل _ فالتمس إحياء ذلك بإماتته، وتعظيمه
بالتصغير له.
ولا
تقتصرنَّ في قله المنَّ به على أن تقول: لا أذكره، ولا أصغي بسمعي إلى من يذكره؛ فإن
هذا قد يستحيي منه بعض من لا يوصف بفعل ولا كرم.
ولكن احذر
أن يكون في مجالستك إياه، وما تكلمه به، أو تستعينه عليه، أو تجاريه فيه شيء من
الاستطالة؛ فإن الاستطالة تهدم الصنيعة، وتكدر المعروف. ص 141 _ 142
18_ احترس من سورة الغضب، وسورة الحمية، وسورة الحقد، وسورة
الجهل.
وأعدد لكل
شيء من ذلك عدة تجاهده بها من الحلم والتفكر، والروية، وذكر العاقبة، وطلب الفضيلة.
ص 142
19_ ذلل
نفسك بالصبر على جار السوء، وعشير السوء، وجليس السوء؛ فإن ذلك مما لا يكاد يخطئك.
ص 143
20_ اللئام
أصبر أجساداً، والكرام أصبر نفوساً. ص 143
21_ الصبر
الممدوح أن يكون للنفس غلوباً، وللأمور محتملاً، وفي الضراء متجملاً، ولنفسه عند
الرأي والحفاظ مرتبطاً، وللحزم مؤثراً، وللهوى تاركاً، وللمشقة التي يرجو حسن عاقبتها مستخفاً، وعلى مجاهدة الأهواء والشهوات
مواظباً، ولبصيرته
بعزيمته منفِّذاً. ص 143
22_ إذا
أردت أن تكون داهياً فلا تُحِبنَّ أن تسمى داهياً؛ فإن من عرف بالدهاء خاتل علانية،
وحذره الناس، حتى يمتنع منه الضعيف، ويتعرض له القوي. ص 146
23_ إن من
إرب الأريب دفنَ إربه ما استطاع؛ حتى يعرف بالمسامحة في الخليقة، والاستقامة في
الطريقة. ص 147
24_ إذا
أردت السلامة فأشعر قلبك الهيبة للأمور من غير أن تَظْهَر منك الهيبة، فتُفَطِّن الناس بنفسك، وتُجرِّئهم عليك، وتدعو إليك منهم كل الذي
تهاب.
فأشْعِبْ
لمداراة ذلك من كتمان الهيبة وإظهار الجرأة والتهاون _ طائفةً من رأيك. ص
147
25_ اعلم أن
من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأقتلها للعقل، وأزراها
للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار _ الغرام َ بالنساء.
ومن البلاء
على المغرم بهن أنه لا ينفك يأجم ما عنده، وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن، وإنما النساء أشباه. ص 149
26_ ومن
العجب أن الرجل الذي لا بأس بلبه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففةً في ثيابها؛ فَيُصَوِّر
لها في قلبه الحسن والجمال، حتى تعْلقَها نفسُه من غير رؤية ولا خبر مخبر، ثم لعله
يهجم منها على أقبح القبح، وأَدَمِّ الدمامة؛ فلا يعظه ذلك، ولا يقطعه عن أمثالها،
ولا يزال مشغوفاً بما لم يذق، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة لظن أن لها
شأناً غير شأن ما ذاق.
وهذا هو الحمق،
والشقاء، والسفه. ص 150
27_ إن
استطعت أن تضع نفسك دون غايتك في كل مجلس، ومقام، ومقال، ورأي، وفعل _ فافعل؛ فإن
رفع الناس إياك فوق المنزلة التي تحط إليها نفسك، وتقريبهم
إياك إلى المجلس الذي تباعدت منه، وتعظيمهم من أمرك ما لم تُعظِّم، وتزيينهم من
كلامك ورأيك وفعلك ما لم تزيِّن _ هو الجمال. ص 151
28_ احذر
المراء، وأغْرِبْه،
ولا يمنعنك حذرُ المراء من حسن المناظرة والمجادلة. ص 151
29_ اعلم
أنك ستُبْتَلى من أقوام بسفهٍ، وأن سفه السفيه سيُطلع له منك حقداً؛ فإن عارضته، أو
كافأته بالسفه فكأنك قد رضيت ما أتى به؛ فأحببت أن تحتذي على مثاله؛ فإن كان ذلك
عندك مذموماً فحقق ذمك إياه بترك معارضته.
فأما أن
تذمه، وتمتثله فليس في ذلك لك سداد. ص 155
30_ لا
تلتمس غلبةَ صاحبك، والظفر عليه عند كل كلمة ورأي، ولا تجترئن على تقريعه بظفرك
إذا استبان، وحجتك عليه إذا وُضَحت. ص 156
31_ إذا
أُكْرِمت على دين أو مروءة فذلك فليعجبك؛ فإن المروءة لا تزايلك في الدنيا، وإن
الدين لا يزايلك في الآخرة. ص 156
32_ اعلم أن
الجبن مقتلة، وأن الحرص محرمة. ص 156
33_ إذا
بدهك أمران لا تدري أيهما أصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه؛ فإن أكثر الصواب
في خلاف الهوى. ص 158
34_ لُطفُك بصاحب صديقك أحسن عنده
موقعاً من لطفك به في نفسه. ص 159
35_ اتق الفرح عند المحزون، واعلم أنه يحقد على
المنطلق، ويشكر للمكتئب. ص 159
36_ البُغْضَةُ
خوف، والمودة أمن. ص 159
37_ اعلم أن
المستشار ليس بكفيل، وأن الرأي ليس بمضمون. ص 160
38_ إذا
أشار عليك صاحبك برأي ثم لم تجد عاقبته على ما كنت تأمل _ فلا تجعل ذلك عليه ذنباً،
ولا تلزمه لوماً وعذلاً. ص 160
39_ إذا كنت
أنت المشير فعمل برأيك أو تركه فبدا صوابك _ فلا تمنن به، ولا تكثرن ذكره إن كان
فيه نجاح، ولا تلمه عليه إن كان قد استبان في تركه ضرر بأن تقول: ألم أقل لك: افعل
هذا؛ فإن هذا مجانب لأدب الحكماء. ص 160
40_ تعلم
حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي
حديثه، وقلة التلفت إلى الجواب، والإقبال بالوجه، والنظر إلى المتكلم، والوعي لما
يقول. ص 160
41_ إذا كنت
في جماعة قوم أبداً فلا تعمَّنَّ جيلاً من الناس، أو أمة من الأمم بشتم ولا ذم؛ فإنك
لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك مخطئاً؛ فلا تأمن مكافئتهم، أو متعمداً؛ فتنسب
إلى السفه.
ولا تذمن _
مع ذلك _ اسماً من أسماء الرجال أو النساء بأن تقول: إن هذا لقبيح من الأسماء؛ فإنك
لا تدري لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء الأَهْلِين والحُرَمِ.
ولا تستصغرن
من هذا شيئاً؛ فكل ذلك يجرح القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد. ص 162
42_ اعلم أن
بعض شدة الحذر عونٌ عليك في ما تحذر، وأن بعض شدة الاتقاء مما يدعو إليك ما تتقي. ص
163
43_ واعلم
أن الناس يخدعون أنفسهم بالتعريض والتوقيع بالرجال في التماس مثالبهم ومساويهم و
نقيصتهم.
وكل ذلك
أبين عند سامعيه من وضح الصبح؛ فلا تكونن من ذلك في غرور، ولا تجعلن نفسك من أهله.
ص 163
44_ اعلم أن
مِنْ تنكُّب الأمور ما يسمى حذراً ومنه ما يسمى خوراً؛ فإن استطعت أن يكون جبنك في الأمر
قبل مواقعتك إياه فافعل؛ فإن هذا الحذر.
ولا تنغمس
فيه ثم تتهيَّبه؛ فإن هذا هو الخور؛ فإن الحكيم لا يخوض نهراً حتى يعلم مقدار غَوْرِه.
ص 163
عبد الغفور بوغيدة
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire